الاثنين، 12 نوفمبر 2012


 لمحة تاريخية عن كوثى القديمة
أولاً: منطقة كوثى في عمق التاريخ
1. مدينة كوثى:
كوثى: بالضم ثم السكون، والثاء مثلثة، والف مقصورة، تكتب بالياء لانها رابعة في الاسم  . وفي اللغة: كوث الزرع تكويثا اذا صار اربع ورقات وخمس ورقات وهو الكوث(1).
وهي من المدن الاثرية في منطقة اكد السامية، وتعرف اطلالها اليوم (تل ابراهيم). تقع شرق مدينة المسيب على نحو ثلاثين كيلومتراً منها، وعلى نحو خمسين كيلومتراً شمال شرق اطلال بابل، وعلى بعد اقل من كيلو مترين من مركز ناحية المشروع التابعة لمحافظة بابل. ولكوثى ماض بعيد(2)، وقد ذكرت في التوراة مرتين(3).
تعرف كوثى بالبابلية (كوتم)، وبالسومرية (gu-du-a)، ويمر عندها مجرى النهر القديم المسمى (نهر كوثى)، واشتهرت كوثى بكونها مركز عبادة (الإله نرجال)، اله العالم الاسفل المذكور في التوراة، ومعبده فيها يسمى (أي- ميسلام)، وكوثى- أيضاً- من اسماء العالم الاسفل او عالم الاموات(4).
وتعد مدينة كوثى من ابرز مدن بابل الشمالية قبل نهوض بابل نفسها ، وكانت تقع على نهر الفرات بحدود الالف الثالث قبل الميلاد، وهو المجرى الشرقي القديم المعروف بمجرى كوثى الذي يسير بمحاذاة نهر دجلة، وكان هذا المجرى يعرج من منطقة تقع في حوالي منتصف الطريق بين الفلوجة والمسيب، أي من فوق مدينة سبار(5) القديمة فيمر فيها ثم يسير اتجاه جبل ابراهيم ثم ببلدة نيبور (نفر)(6). ويتفرع من نهر كوثى ، قرب مدينة سبار ، فرع يجري باتجاه مدينة بابل(7).
ان اهمية مدينة كوثى تأتي كونها مركزاً مرموقاً للفكر الديني، وإلهها الخاص (نركال) كان له معبد عظيم يدعى (أي- شد- لام) أو (أي- ميسلام)، وله زقورة تدعى (أي- ننار)، أي (دار الهلال)، وتذكر بعض النصوص أن ( دونكي ) احد ملوك اسرة أور الثالثة، حوالي سنة 2300 قبل الميلاد، اعاد بناء المعبد والزقورة وجددهما(8).
وتذكر الاخبار ان الملك الاشوري تجلات بلاصر قدم سنة 729 قبل الميلاد ضحية الى معبد (نركال) في كوثى(9).
ويبدو  ان كوثى لم تحز مركزاً عالياً في السياسة، وقد نقلت عبادة إله تلك المدينة (نرجال)، رب العالم الادنى، الى فلسطين، وبالتحديد الى عاصمة مملكة اسرائيل مدينة السامرة(10) على يد رجال دين من كوثى، الذين نفاهم سرجون ملك الاشوريين الى هناك(11).
بحدود القرن الرابع قبل الميلاد أمسى نهر كوثى فرعاً ثانوياً، واصبح فرع بابل هو المجرى الرئيس للفرات ، كما ان هناك فرعا جديدا ظهر يعرف باسم (بالاكوباس) في عهد الاسكندر المقدوني سنة 333 قبل الميلاد، وكان يؤدي وظيفة المصرف لمياه الفرات الزائدة في موسم الفيضان، ويتشعب هذا الفرع من الضفة اليمنى للفرات قرب مدينة المسيب ويسير باتجاه شط الهندية الحالي. ولتغيير مجرى الفرات من فرع كوثى الى فرع بابل اسباب عدة منها الترسبات الغرينية التي تراكمت على الارجح في القسم القريب من المصب في نهر كوثى التي دفعت المياه ، ولاسيما في موسم الفيضان، للبحث عن مجرى اخر فكان فرع بابل هو الاقرب(12).
وفي العصر البابلي الحديث (626-539 ق. م) كان لمدينة كوثى ونهرها الذي يصل الى ضواحي مدينة بابل، أهمية فائقة، فهي من المراكز الدينية المهمة، ومن المدن الكبرى في دولة بابل الحديثة(13) (اقتصادياً واجتماعياً).
يبلغ طول اكبر تلالها نحو ميل واحد، وارتفاعه نحو 60-70 قدم، وكان مغطى بآجر يحمل كتابات مسمارية، وربما استخدم الاهالي هذا الاجر في بناء بيوتهم. وقد اجرى الاثاري هرمز رسام(14) خلال القرن التاسع عشر الميلادي بعض الحفريات الاستكشافية البسيطة فيها، وهي حفريات غير علمية، عثر خلالها على ألواح مكتوبة بالمسمارية، واقداح مكتوبة بالسريانية، وفي 25 شباط 1940م تحرت هذا الموقع هيأة الاثار، فوجدت ان اسواره وزقوراته كانت مدفونة تحت مساكن فرثية وابنية اسلامية، تعود الى ادوار متعاقبة متعددة(15).
وبسبب عدم اجراء أي تنقيبات اثارية متكاملة في كوثى، فان معظم معلوماتنا عن هذه المدينة من المصادر الاسلامية،  التي بدورها نقلتها من مصادر عدة اهمها المصادر الاسرائيلية.
ثانياً: كوثى ابراهيم الخليل عليه السلام
كوثى في ثلاثة مواضع: بسواد العراق في ارض بابل، وبمكة وهو منزل بني عبد الدار خاصة ثم غلب على الجميع ؛ ولذلك قال الشاعر:
لعن  الله  منزلا بطن  كوثى            ورماه   بالفقر  والامعار
        لست كوثى العراق اعني ولكن         كوثة الداردار عبد الدار(29)
وكوثى العراق كوثيان: احدهما كوثى الطريق، والاخر كوثى ربى، وبها مشهد ابراهيم الخليل عليه السلام، وبها مولده(30)، وهما من ارض بابل، وبها طرح ابراهيم في النار، وهما ناحيتان(31).
وقد جاء ذكر ابراهيم الخليل مقرونا بالملك نمرود، ومما في ذلك ان الملك نمرود دفعته احلامه المزعجة الى مراقبة الحوامل وقتل الذكور من مواليدهن، وقد زار عماله أُم إبراهيم وتدعى عوشاء للكشف عليها قبل ان يأتيها المخاض، وجسوا جانبها الايمن فاختفى الجنين في الجانب الايسر، وجسوا الجانب الايسر فاختفى الجنين في الجانب الايمن، فانصرفوا دون أن يظفروا بطائل، الامر الذي اضطر عوشاء أن تلجأ الى كهف بالقرب من كوثى، وهناك رأى ابراهيم الخليل نور الحياة لاول مرة، وفي ذلك دليل على كون عشيرة ابراهيم الخليل كانت تسكن في منطقة كوثى، التي كانت تعد مركزا مهما للساميين في العراق منذ اقدم العصور بعد ان هاجروا من الجزيرة العربية واخذوا يؤسسون مستوطناتهم على ضفاف الفرات في سوريا والعراق(32).
وينتمي ابراهيم الخليل بحسب رواية التوراة الى القبائل الارامية وهي قبائل عربية نزحت من موطنها الاصلي في جزيرة العرب واستقرت على ضفاف الفرات في سورية. ثم نزلت بعض اسرها الى العراق ومن جملتهم أسرة أبراهيم الخليل. واذا اخذنا بما توصل اليه العلماء حول تعيين تاريخ هجرة الاراميين، فتكون اسرة ابراهيم الخليل قد جاءت الى منطقة بابل في حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، وهكذا يمكن القول ان ابراهيم الخليل كان عراقياً بالولادة، عربيا في قوميته التي ترجع الى وطنه الأصلي الجزيرة العربية (33).
فلما بلغ ابراهيم (ع) خالف قومه، دعاهم الى عبادة الله، وبلغ ذلك الملك نمرود فحبسه في السجن سبع سنين، ثم بنى له الموقد بجص، واوقد له الحطب الجزل، والقى ابراهيم فيه، فقال حسبي الله ونعم الوكيل، فخرج منها سليما ولم يصبه اي اذى(34).
وعندما خرج ابراهيم سليماً من المحرقة، هرب من مدينة كوثى ولغته يومئذ سريانية ، فلما عبر نهر الفرات من حران غير الله لسانه، فقيل عبراني، أي حيث عبر الفرات، وبعث نمرود في اثره، وقال لا تدعوا أحداً يتكلم السريانية إلاّ جئتموني به، فلقوا ابراهيم عليه السلام فتكلم بالعبرانية، فتركوه ولم يعرفوا لغته(35).
هناك اختلاف بين المؤرخين في موضع ولادة  إبراهيم الخليل والمحرقة، ويبدو ان كبر مساحة المحرقة أدّى الى الاختلاف في موضع الولادة وموضع المحرقة بين المنطقتين  (بورسيبا وكوثى). فالمتتبع لكليهما يجد الامور الآتية:
1.  كلا المنطقتين تدعي انها تحتوي على مكان الولادة، وصفات هذا المكان انه يحتوي على صخرة فيها اثر لحفرة صغيرة او اماكن لثقوب صغيرة يقال انها معجزة للولادة، وهذا موجود في كوثى (جبلة) وبورسيبا (برس وهي منطقة اثارية جنوب مدينة الحلة ، بأتجاه النجف ، بحدود 7كم).
2.  وكلاهما يحتوي على رماد الحرق، ففيهما ما ان تحفر اكثر من ثلاثة امتار تجد ذلك الرماد المتفحم وعلى امتداد مساحة وعمق كبيرين، وبينهما تلول من الرماد يقال انها رماد النار التي اوقدها نمرود لاحراقه(36).
3.  وكلاهما يحتوي على غار في احد التلال يقال بأنه رسم لموضع الذي ألقته فيه امه، وكانت الغزالة تأوي اليه لترضع ابراهيم عليه السلام، كما روي، ففي برس قرب مقام ابراهيم يوجد الغار هناك، وفي جبلة توجد فتحة تحت الجبل مباشرة.
وعلى الرغم من عدم معرفة موقع المحرقة على وجه الدقة ، فيبدو ان كلا المدينتين حدثت فيها محرقة لابراهيم الخليل ، ونرجح المحرقة في كوثى استنادا الى الروايات الاسلامية .  ويبدو ان كوثى كانت تضم مدينة كوثى(جبلة حاليا) مضافة اليها المناطق المجاورة وبضمنها منطقة برس، وهذا قبل ظهور الكلدانيين ودولة بابل.
من المحتمل جدا ان تكون كوثى هي جبلة لكثير من الادلة، منها:
1.     انها تحتوي على الصخرة والغار والرماد، ويحتمل ان يتواجد بها اثار المنجنيق الذي رمى به ابراهيم الخليل عليه السلام.
2.  الاثار التي اكتشفت في تلال جبله  تؤيد ما ذكر اعلاه، اذ كانت كوثى  منطقة كبيرة تحوي عددا كبيرا من السكان، وذات ازدهار عمراني واقتصادي، لكن شغلهم الشاغل كان في البحث عن العقيدة الاصيلة، وقد ناظر ابراهيم عليه السلام الصابئة الحرانيين في العقيدة الدينية وافحمهم.
3.  ان تقييمنا لموضعي كوثى هو ان كوثى الطريق هي (برس) باعتبارها كانت طريقا للمار بين شمال العراق وجنوبه ، وبين بابل القديمة وأور وأكد وغيرها، وكوثى ربى هي مدينة جبله(37).
ورد في كتب تواريخ الصابئة ان ابراهيم الخليل تربى في كوثى، ولما خالف جماعته احتج اليه الناس الى ان سجن، وكان يستمر في مناقشة الناس اياما وهو في السجن، فلما خاف الملك نمرود ان يفسد عليه سياسته، ويرد الناس عن اديانهم نفاه الى اطراف الشام(38).
كان ابو ابراهيم الخليل عليه السلام ينتمي الى اسرة من الامراء في بابل، وما رواه ياقوت الحموي من ان جد ابراهيم الخليل، ابا امه قام بحفر نهر كوثى دليل على ذلك، وهذا النهر اول نهر اخرج بالعراق من الفرات(39).
سمي هذا النهر بكوثى نسبة الى كوثى والد جد ابراهيم لأمه ( كرنيا بن كوثى)، وهو من بني أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وهو الذي حفره(40).
ونسب الى الامام علي عليه السلام، قوله: (من كان سائلاً عن نسبنا فأننا نبط من كوثى)(41) ، وروي عن ابن الاعرابي أنه قال: سأل رجل علياً: أخبرني عن أصلكم معاشر قريش، فقال: نحن من كوثى. فقال ابن الاعرابي: واختلف الناس في قول علي عليه السلام، نحن من كوثى، فقال قوم: أراد كوثى السواد التي ولد بها ابراهيم الخليل عليه السلام، وقال اخرون: اراد بقوله كوثى مكة، وذلك ان محلة بني عبد الدار يقال لها كوثى، فاراد اننا مكيون من ام القرى مكة، والقول هو الاول لقول علي عليه السلام، فأننا نبط من كوثى، ولو اراد  كوثى مكة لما قال نبط، وكوثى العراق هي سرة السواد، واراد عليه السلام ان ابانا ابراهيم عليه السلام كان من نبط كوثى، وان نسبنا ينتهي اليه(42).
وعن اهمية كوثى قال حبر الامة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: نحن معاشر قريش حي من النبط من اهل كوثى، والاصل آدم، والكرم التقوى، والحسب الخلق، وإلى هذا انتهت نسبة الناس(43).
ويبدو واضحا، ان منطقة كوثى  كانت عامرة ومتحضرة،  وازدادت اهميتها عندما ظهر دين الله بين شعبها، وحمل رسالة التوحيد واحد من رجالها البارزين هو ابراهيم الخليل عليه السلام.
لا شكّ ان المدينة موغلة في القدم، ومرت عليها ادوارا تاريخية عدة في عصور السومريين والاكديين والبابليين والفرس، ومن ثم العهد الاسلامي، والمتعاقبة التي مرت بها.
ثالثاً: كوثى الاسلامية
كانت كوثى احدى المناطق التي سيطر عليها الساسانيون، في عهد اردشير بن بابك، وجعل عليها حكاما اداريين يرتبطون بمدينة طيسفون(44)، عاصمة الدولة الساسانية(45).
ومما ذكره المؤرخون قبيل الفتح الاسلامي للعراق ان القائد الساساني الفارسي ( رستم ) نزل في كوثى واتى برجل من اهلها ( ممن جاء من الجزيرة العربية وسكن في اطرافها ) ، وسأله: ما جاء بكم وماذا تطلبون، فأجابه العربي الكوثي، جئنا نطلب موعد الله بملك ارضكم وابنائكم ان أبيتم ان تسلموا، قال رستم فان قتلتم قبل ذلك ؟ قال: من قتل منا دخل الجنة، ومن بقي منا أنجزه الله وعده ، فنحن على اليقين، فقال رستم: قد وضعنا اذن في ايديكم، فقال اعمالكم وصنعتكم واسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فأنك لست تجاول الانس فأنما تجاول القضاء والقدر، فأستشاط رستم غضبا فأمر به فضربت عنقه(46).
وهذا المؤرخ ينقل لنا صورة من الغزو العسكري الذي قام به رستم القائد الفارسي لهذه المدينة، هي من ممهّدات حرب القادسية الاسلامية، ويظهر لنا مقدار شجاعة العربي، وكذلك مقدار عنف حكام السوء امثال رستم وقسوتهم(47).
واثناء حروب التحرير الاسلامية، وبعد انتهاء معركة القادسية سنة خمس عشرة للهجرة، تقدم جيش المسلمين بقيادة سعد بن ابي وقاص نحو الشمال وفتح بابل، واقام بها اياما، وكان النخيرجان قد خلف شهريار دهقانا للفرس على كوثى في جمع من جنوده ، وتقدم جيش المسلمين من بابل بقيادة زهرة بن حوية ، الذي ضم قادة مشهورين امثال  بكير بن عبد الله الليثي وكثير بن شهاب السعدي . وقد عبرالجيش الاسلامي حتى نهر الصراة ولحقا باخريات جيش الفرس ، وفيهم كبار قادته فيومان والفرخان، فقتل بكير الفرخان، وقتل كثير فيومان بسوراء قرب كوثى ، وجاء زهرة وجيشه فجازوا سوراء ونزلوا ، وجاء سعد وبقية المسلمين ونزلوا عليه. وتقدم زهرة بجيشه نحو الفرس وكانوا قد نزلوا بين الدير وكوثى، وقد استخلف النخيرجان ومهران على جنودهما شهريار دهقان كوثى ، فنازلهم زهرة، فبرز الى قتاله شهريار، فقتله واخذ فرسه وسواريه وسلبه، وانهزم اصحابه فذهبوا في البلاد، واقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد، واقام سعد بكوثى اياما وزار مجلس ابراهيم الخليل عليه السلام(48).
وقال زهرة بن جوبة في فتح كوثى:
لقينا بكوثى شهريار نقوده


عشية كوثى  والاسنة  جائرة

وليس بها الا النساء وفلهم


عشية رحنا والعناهيج حاضرة

اتيناهم في عقر كوثى بجمعنا


كأن لنا عينا على القوم ناظرة(49)

اكتسبت كوثى اهمية اضافية في العهد الاسلامي، فهي في منطقة إستراتيجية كانت تمر بها الجيوش العربية الاسلامية الذاهبة الى الشرق في العهد الراشدي، ومن المحتمل جدا ان الامام علي عليه السلام مر بها خلال قتاله الخوارج في منطقة النهروان سنة 36 هـ. وربما جرت فيها بعض المعارك الصغيرة بين الخوارج وجيش الامام علي عليه السلام، كما ان كوثى اخذت الاهمية نفسها في العهد الاموي كونها احد الطرق العسكرية المهمة بين العاصمة دمشق وولاياتها في الشرق.
وفي العهد العباسي الذي استمر قرابة خمسة قرون بقيت كوثى عامرة، وتذكر الكتب التاريخية ان منطقة كوثى كانت مسرحا للحرب بين قوات الامين وقوات والمأمون(50)، ومنها المعركة التي دارت بين جيش طاهر بن الحسين (وهو احد قادة المأمون) وفي مقدمته محمد ابن العلاء، وجيش الفضل بن موسى بن عيسى (وهو احد قادة الامين) وفي مقدمته ابو السلاسل، وانتهت هذه المعركة لصالح طاهر والمأمون، واسر من قادة الامين اسماعيل بن محمد القرشي وجمهور النجاري، وتقدم جيش طاهر من كوثى نحو المدائن فبغداد(51)، كما جرت فيها معارك طاحنة أخرى بين قوات الفريقين(52).
كما ان ثورة ابي السرايا و محمد بن ابراهيم بن طباطبا(53) ضد المأمون قد انطلقت من أرض كوثى(54).
وكان مقر ابي السرايا في قصر ابن هبيره وطلائع جيشه في كوثى، إذ كان يطمع في السيطرة على العاصمة بغداد وانهاء حكم العباسيين(55).
وفي عام 201هـ حدثت معارك بين جيش المنصور بن المهدي (والي المأمون على بغداد) ويقوده محمد بن يقطين بن موسى وجيش بن عبد الحميد الطوسي، وكانت كوثى مسرحا لهذه المعارك التي انتهت لصالح الطوسي ومني جيش المأمون بخسارة فادحة، وان جيش الطوسي نهب القرى المحيطة بكوثى وأخذوا البقر والغنم والحمير وما قدروا عليه من حلي ومتاع وغير ذلك وانصرفوا الى النيل(56).
وبسبب قرب كوثى من العاصمة  بغداد، فإنها كانت تُعدّ حزام العاصمة، وفي محيطها دارت اكثر المعارك التي حدثت في عهد العباسيين  قبل ان تصل إلى بغداد، او تتراجع من حيث أتت(57).
ويذكر ابن خرداذبه في (المسالك والممالك) كثيرا من المعلومات عن كوثى التي تتحدث عن التقسيمات الادارية في العهد العباسي، فمقاطعة كوثى (طسوج) تابعة لاقليم استان اردشير (كورة). وتتكون كوثى من تسع مقاطعات صغيرة (رساتيق)، كما ان انتاج كوثى الزراعي وافر، ولاسيما محصولي الحنطة والشعير، ويقسم ابن خرداذبة المسافة بين كوثى وبغداد بسبع فراسخ(58)، وبين كوثى والكوفة بأربعة وعشرين فرسخا(59).
لعل من الطبيعي ان يهتم الجغرافيون والاقتصاديون والمؤرخون بمناطق كوثى، فهي منطقة زراعية خصبة، وانتاجها الزراعي والحيواني وفير، وإرواؤها من خلال نهري كوثى وصرصر، إذ تصلها مياه دجلة والفرات معا من خلال النهرين المذكورين آنفاً، ولذلك فإن جزءا مهما من واردات الخزينة العباسية يأتي من خراج  مناطق كوثى وضرائبها .
وبعض الجغرافيين ذكر المسافات بالأميال، فيذكر المسافة بين بغداد وكوثى بواحد وعشرين ميلا، وبين كوثى والكوفة باثنين وسبعين ميلا(60).
وتذكر كتب التاريخ، ان عددا من العلماء والادباء ورجال السياسة الذين كانت لهم مكانة رفيعة في المجتمع الاسلامي من خلال مؤلفاتهم الفقهية والادبية والتاريخية، كانت ولادتهم ونشأتهم في مناطق كوثى.
ويبدو واضحا ان مناطق كوثى بيئة صالحة لنشأة العلماء والمفكرين وتربيتهم ، لأعتدال مناخها، وانبساط تربتها، ووفرة مياهها، وتحضر مدنها، زيادة على ان قربها من العاصمة بغداد قد اعطاها اهمية استثنائية.
ولعل اشهر هؤلاء الامام ابا حنيفة النعمان بن ثابت(61) ، الذي ولد في كوثى بحسب عدد من الروايات التي اشارت الى انه من اصل فارسي او نبطي، وولادته في كوثى(62) ، اذ نشأ وتعلم في كوثى قبل ان ينتقل الى الكوفة وبغداد.
وظهرت من ارض كوثى شخصيات سياسية ادت دورا كبيرا في رسم الخارطة السياسية العباسية، ومنهم علي بن الفرات(63) ، وشخصيات اخرى من اسرته(64).
ومن الرواة المشهورين ابو منصور حماد بن منصور الضرير الكوثاني، روى عن ابي عبد الله بن محمد بن هزارمند الصرفيني ما سمع من الحافظ ابي القاسم الدمشقي(65).
ويبدو واضحا ان كوثى اكتسبت اهمية كبيرة في العهد العباسي وما تلاه حتى العهد العثماني ، لما تتمتع به من موقع محاذ للعاصمة بغداد، ولأهميتها الاقتصادية كونها منطقة زراعية خصبة، تسقى أراضيها من نهري: كوثى الذي مصدر مياهه الفرات، وصرصر الذي مصدر مياهه دجلة، اضافة الى ظهور شخصيات علمية وسياسية بين سكانها تركت أثرا واضحا في تاريخ الدولة العربية الإسلامية.
ان ظروفا سياسية واقتصادية قاهرة جعلت من كوثى تتراجع وتصبح منطقة طاردة بعد ما كانت منطقة جذب للسكان . لاسيما بعد تغيير مجرى نهر الفرات ففقدت مكانتها الاقتصادية وسبل الحياة فيها وتحولت عبر الزمن الى صحراء جرداء خالية من السكان تقريبا تأويها الوحوش ، واستمرت كذلك حتى منتصف القرن العشرين . حيث قررت الحكومة العراقية فتح مشروع للمياه لسقي اراضيه الجرداء لتعيد الحياة اليها من جديد وتم هذا الامر.
جاء في كتاب كوثى ماضيها وحاضرها تاريخ جبلة حتى عام 2010                                     تأليف الاستاذ الدكتور كريم مطر حمزة الزبيدي والاستاذ الدكتور يحيى كاظم حمود المعموري عام 1432هـ 2011 م وكتاب كوثى ومقام ابراهيم بن ادهم دراسة تاريخية اولية عن الموقع الحالي لكوثى في مدينة (جبلة) كأطروحة نظرية ان ولادة النبي ابراهيم خليل الرحمن في مدينة جبلة بقلم سماحة الشيخ عقيل هادي محمد الحمداني ومن كتب غيرهم في هذا الموضوع                           نود ان نبين ..
تشير الاية القرانية وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ] البقرة: ١٢٤
1.  فأول نبي من انبياء الله تعالى اطلقت عليه كلمة امام هو ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام والآية المباركة فيها اشارة صريحة الى نبي الله ابراهيم عليه السلام.
2.  نسب الى الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قوله من كان سائلا عن نسبنا فإننا نبط من كوثى وروي عن ابن الاعرابي انه قال: سال رجل عليا اخبرني عن اصلكم معاشر قريش فقال عليه السلام نحن من كوثى فقال: ابن الاعرابي واختلف الناس في قول علي عليه السلام                     نحن من كوثى فقال قوم اراد كوثى السواد التي ولد بها ابراهيم الخليل عليه السلام                       وقال اخرون اراد بقوله كوثى مكة وذلك ان محلة بني عبد الدار يقال لها كوثى فأراد اننا مكيون من ام القرى مكة والقول هو الاول لقول علي عليه السلام فإننا نبط من كوثى ولو اراد كوثى مكة لما قال نبط وكوثى العراق هي سرة السواد واراد عليه السلام ان ابانا ابراهيم عليه السلام كان من نبط كوثى وان نسبنا ينتهي اليه .
3.  المرسوم الجمهوري رقم 631 المنشور في الوقائع العراقية عدد 438 في 8/11/1960 يشير صراحة الى استحداث ناحية باسم (بابل) ناحية المشروع حاليا (جبلة)                  (احداث ناحية في لواء الحلة يكون مركزها في قرية امام ابراهيم ترتبط بقضاء مركز الحلة ............)
ومن خلال الاطلاع على ما تم عرضه اعلاه نجد ان هناك ربط بين الاية القرآنية المباركة وقول الامام علي عليه السلام والمرسوم الجمهوري.   ان ذكر الكلمة( امام ابراهيم)  الواردة تشير صراحة الى الاية القرآنية اعلاه وان ذكرها غير معرفة دليل على ان اللفظة ماخوذة كما هي                                ولا شك ان المدينة موغلة في القدم ومرت عليها ادوار تأريخية عدة في عصور السومريين والاكديين والبابليين والفرس ثم العهد الاسلامي ثم الحضارة التركية (العثمانية ) وان الفرس والعثمانيين يكتبون و يلفظون كلمة الامام غير معرفة فيقولون امام حسين , امام علي , امام عباس الخ وهذا دليل ايضا الى ان المقام الموجود حاليا هولسيدنا ابو الانبياء ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام. مع عدم اهمال ان يكون هناك اشخاص غير سيدنا ابراهيم الخليل (ع) عاشوا في هذه المدينة وكما تشير الدراسات الى ان محمد ابن ابراهيم ابن طباطبا المعروف                  ( بالغمر ) ابن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام قد دفن في هذه المدينة كما يشير الى ذلك الشيخ عباس القمي (رحمه الله) في كتابه سفينة البحار المجلد الاول ص 124- 125 و كما تشير الدراسات الى ان العابد ابراهيم ابن ادهم كان  يسكن هذه المدينة واي الروايات صحت فان هذا دليل على اهمية كوثى التاريخية والحضارية ومما زاد من اهميتها في العصر الحديث كونها من اهم الوحدات الادارية في محافظة بابل لموقعها الجغرافي                       ( ما بين النهرين دجلة والفرات) ولخصوبة اراضيها وكونها مصدر للاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب ( الحنطة _ الشعير _ الذرة ) ومحاصيل الخضر بانواعها .                                         نجد ان من الصعب على الباحث رسم صورة واحدة لتاريخ كوثى لقدمها وللأدوار التاريخية المختلفة التي مرت بها ولاهميتها التاريخية ادعو ابناء المدينة والباحثون في التاريخ والاثاريون والحكومة المحلية في محافظة بابل والدوائر ذات العلاقة _ مفتشية اثار بابل _ ومديرية الوقف الشيعي في بابل ومن خلالهم الى وزارة السياحة والاثار ووزارة الثقافة وديوان الوقف الشيعي الى البحث عن كوثى وسبر اغوارها والكشف عن كنوزها ومكنوناتها للوصول الى حقيقتها .                  وكذلك الى هدم وبناء المقام المشيد على تل كوثى الاثري واستحصال الموافقات الاصولية بذلك خدمة للصالح العام واضهاره بالمضهر اللائق بما ينسجم ومكانة نبي الله ابراهيم عليه السلام كونه المزار الوحيد في ناحية المشروع شاكرا ومثمنا الجهود المبذولة من قبل سماحة الشيخ عقيل هادي محمد االحمداني والاستاذ الدكتور كريم مطر حمزة الزبيدي والاستاذ الدكتور يحيى كاظم حمود المعموري لانهم اول من كتب في هذا الموضوع وبفضلهم تواصلت الجهود كل حسب اختصاصه للوصول الى حقيقة هذا المكان المهم ولكل من يقرأ هذه الرسالة تحية وسلام .




                                                                      الحقوقي
                                                                   علي السعدي
                                                                مدير ناحية المشروع
                                                               7/ ذي الحجة / 1433
                                                                    23/10/2012               













                                  مرسوم باحداث ناحية بابل
عنوان التشريع: مرسوم باحداث ناحية بابل
التصنيف: مرسوم النص
رقم التشريع: 631
سنة التشريع: 1960
تاريخ التشريع: 1960-10-26 00:00:00

استنادا الى المادة ( 3 ) من قانون ادارة الالوية وبناء على ما عرضه وزير الداخلية ووافق عليه مجلس الوزراء 0
رسمنا بما هو آت :-
احداث ناحية في لواء الحلة باسم ناحية بابل يكون مركزها في قرية امام ابراهيم ترتبط بقضاء مركز الحلة وتتبعها المقاطعات المبينة ارقامها وأسمائها بما يلي : -
1 بدعة المسيب و2 لملوم و21 جزيرة سدة الهندية و28 جزيرة الاسكندرية و26 الحيدرية و34 عميةالميري و36 الجزيرة و40 بزايز الجدول / المحاويل والقسم الملحق بلواء الحلة من المقاطعتين 6 اراضي الجزيرة و37 بزايز اللطيفية الزبيدية0
وتكون حدودها الادارية حدود المقاطعات ا و2 و6 و26 و28 و34 و37 و40 الوارد ذكرها اعلاه 0
على وزير الداخلية تنفيذ هذا المرسوم 0
كتب ببغداد في اليوم السادس من شهر جمادي الاول سنة 1380 المصادف لليوم السادس والعشرين من شهر تشرين الاول سنة 1960 0
مجلس السيادة
محمد نجيب الربيعي
رئيس مجلس السيادة
خالد النقشبندي عضو
احمد محمد يحيى
وزير الداخلية عضو
اللواء الركن
عبد الكريم قاسم
رئيس الوزراء
نشر في الوقائع العراقية عدد 438 في 8 / 11 / 1960









 


















هناك تعليق واحد: